يُعرف الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بالأب المؤسس لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وأول من نادى بإقامة اتحاد بين إمارات الساحل المتصالح، وهو الرئيس الأول لدولة الإمارات العربية المتحدة. تولى سموه هذا المنصب منذ قيام الدولة في الثاني من ديسمبر عام 1971 وحتى وفاته في 2004م. وشغل أيضاً منصب حاكم إمارة أبو ظبي من عام 1966 ولغاية 2004م.
ولد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مدينة العين عام 1918، وهو الابن الرابع، وله ثلاثة من الأخوة الذكور هم: شخبوط، وهزاع، وخالد، وله أخت واحدة. حكم والده الشيخ سلطان بن زايد إمارة أبو ظبي من عام 1922 ولغاية 1926.
كان الشيخ زايد يتسم بسعة الصدر ونفاذ البصيرة وطول البال والحكمة، كما برز كمستمع ومصلح ووسيط في حل النزاعات، وهي الصفة التي لازمته طوال فترة حكمه، ولذلك لقب بـ "حكيم العرب".
وأكد المغفور له الشيخ زايد على ضرورة توفير الفرص لجميع مواطني الدولة ليكون لهم دور فاعل في نجاح الأمة. وبفضل رؤيته الثاقبة، تحتل دولة الإمارات اليوم، المركز الثاني بين دول مجلس التعاون الخليجي، بعد السعودية، من حيث حجم الاقتصاد، والمركز الثالث في منطقة الشرق الأوسط ككل، كما أصبحت تمثل بحسب كثير من التقارير الدولية المرموقة، أهم مركز مالي واقتصادي في المنطقة.
أدرك المغفور له الشيخ زايد، أنه من أجل تعزيز الانسجام الداخلي والتماسك والتلاحم الوطني بين أبناء شعبه، يحتاج في البداية إلى نسج خيوط الثقة وبنائها من خلال التفاعل الشخصي مع كافة المواطنين. وعرف عنه قربه لشعبه وتمتعه باللقاءات والاجتماعات مع المجتمع المحلي. وأمضى الشيخ زايد وقتاً كبيراً في أواخر فترة العشرينات وعقد الثلاثينات من القرن العشرين بين رجال القبائل من البدو فأدرك مصاعب الحياة وقهرها، وأعطاه ذلك الكثير من الخصال التي اختلطت ببيئته البدوية الإسلامية التي أضفت عليه صفات الجَلَد والصبر، وجعلته ذي بصيرة وحكمة بالغتين.
وتولى الشيخ زايد، منصب ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية عام 1946، حيث انخرط بشكل مباشر بالشؤون الحكومية، وبدأ يمارس تجربته في الحكم من مدينة العين.
وبعد نجاحه في إطلاق عجلة تطوير مدينة العين في الخمسينات، بالرغم من قلة الموارد، تولى الشيخ زايد حكم إمارة أبوظبي في6 أغسطس عام 1966، ووضعها على طريق النمو المستدام والتنمية حيث يضرب بها وبدولة الإمارات المثل في المنطقة كلّها.
ويعود الفضل للشيخ زايد، رحمه الله، في استغلال عائدات النفط التي كانت تتزايد سنوياً لدفع عجلة التنمية والتطوير، ليعود ذلك بالفائدة على جميع الناس الذين يعيشون في ظل حكمه، بالإضافة إلى وضعه الهيكلية الحكومية الجديدة التي أرست دعائم الحكم في الإمارة والدولة حتى يومنا هذا.
بعد تولي سموه مقاليد الحكم في إمارة أبو ظبي، بدأ يتطلع إلى الوحدة مع أشقائه في الإمارات المتصالحة، وكان شديد الإيمان والثقة بفكرته هذه التي طالما سكنت وجدانه.
وفي 16 يناير عام 1968، أعلن البريطانيون عن نيتهم بالانسحاب من الإمارات المتصالحة بحلول عام 1971م، وقام الشيخ زايد إثر ذلك بالتحرك سريعاً لتعزيز الروابط مع إمارات الساحل المتصالح، ورأى الحاجة إلى إقامة كيان سياسي موحد له كلمة قوية ومسموعة في المحافل الدولية، وقادر على تقديم الحياة الأفضل لمواطنيه.
في 18 فبراير 1968م، اتفق المغفور لهما بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي على تشكيل وحدة بين الإمارتين، وتنسيق الأمن والدفاع والخارجية وتوحيد الجوازات بينهما. ووجها دعوة إلى تشكيل اتحاد يشمل بقية الإمارات الخمس المتصالحة إضافة لقطر والبحرين.
وبعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ ومع اقتراب موعد الانسحاب البريطاني، اجتمع حكام الإمارات السبع المتصالحة لبحث قيام الاتحاد، ومن أقوال الشيخ زايد حينها: " هذه فرصة هيأها الله تعالى لنا، فرصة وجودنا اليوم في مكان واحد، إن قلوبنا جميعًا عامرة والحمد لله بالإيمان، بمبدأ الوحدة، فلنجعل إذن من اجتماعنا فرصة تاريخية لتحقيق أملنا المنشود"
ويعود الفضل في قيام الدولة لحماسة الشيخ زايد والآباء المؤسسين لتشكيل الاتحاد، وتعاملهم مع التحديات والصعوبات بحكمة وبروح من الانسجام والتعاون.
وفي الثاني من ديسمبر عام 1971م، أعلن عن قيام دولة الإمارات العربيــة المتحدة، وضمت ستة من الإمارات المتصالحة وهي دبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة. وتقديراً لجهوده ودوره القيادي وحنكته، اختار أصحاب السمو حكام الإمارات الشيخ زايد لرئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة، ليصبح بذلك أول رئيس للدولة، وهو المنصب الذي أكسبه لقبه الدائم "الأب المؤسس". وفي وقت لاحق، انضمت إمارة رأس الخيمة إلى الاتحاد بتاريخ 10 فبراير عام 1972م.
بعض المعالم التي تشمل المساجد، والمستشفيات والمراكز الطبية، والصروح الثقافية والعلمية، وبعض المدن والقرى السكنية، وغيرها من الشواهد التي تنتشر في القارات الست، وتزهوا باسم "الشيخ زايد"، اضغط هنا لقراءة المزيد
لم يكن زايد الأب المؤسّس وحكيم الأمة والقائد الاستثنائي فحسب، بل كان الفارس النبيل والشاعر المبدع الذي اكتنزت قصائده بالمعاني والصور الجميلة التي كان يستقيها من البيئة التي يعيش فيها والقيم التي تربّى عليها، متّكئاً على ذائقة شعرية وهبها الله إياه، وصقلها بمعايشة الشعر العربي في مختلف عصوره، اضغط هنا لقراءة المزيد
بعد التجربة الناجحة لاتحاد الإمارات، وما شهدته من تطور كنتيجة طبيعية لجهود مؤسسها، نظر الشيخ زايد إلى منطقة الخليج ككل والتي تجمعها عادات واقتصاديات وثقافة مشتركة. ورأى سموه بعين بصيرته ضرورة تشكيل مجلس تعاوني لتنسيق الجهود ومواجهة التحديات الجديدة في المنطقة.
كان لدى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قناعة كبيرة بفوائد توحيد دول الخليج انطلاقا من إيمانه بما تحقق من اتحاد إمارات الدولة السبع عام 1971، والذي شكل فعليا النواة لتكوين مجتمع خليجي عربي واحد تتشارك دوله في العوامل التاريخية، والجغرافية، والسياسية، والاقتصادية ،والثقافية.
وساهم الشيخ زايد بتحويل فكرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى واقع ملموس، بداية من أول اجتماع عقد بهذا الخصوص في أبو ظبي عام 1976 مع المغفور له الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت الراحل، وانتهاء بالتوقيع على صيغة تأسيس مجلس التعاون في أول قمة ترأسها سموه في أبو ظبي في 25 و26 مايو 1981، بهدف تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين بين دول الخليج الست وصولاً إلى الوحدة وفق ما نص عليه النظام الأساسي في مادته الرابعة.
حظي الشيخ زايد بمكانة رفيعة المستوى عند جميع القادة العرب، وهذا ما أتاح له القيام بدور الوسيط بينهم في أكثر من مناسبة، كما كانت مواقفه المشرفة والأصيلة حاضرة في كل مناسبة.
ومنذ قيام دولة الإمارات، انصرف اهتمام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى مسيرة البناء الوطني ودعم الإخوة والأشقاء العرب. وآمن سموه في التضامن والتعاون بين جميع الدول العربية، والتزم باستخدام سلطته الشخصية والسياسية على المستويين العربي والدولي لتحقيق السلام والتقدم في منطقة الشرق الأوسط. ودعم سموه مصر وسوريا في حرب أكتوبر عام 1973 لتحرير الأراضي العربية المحتلة بقطع واردات النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، وسجل التاريخ مقولته الشهيرة "النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي".
أرسى المغفور له الشيخ زايد أسس سياسة خارجية متميزة تتسم بالحكمة والاعتدال، والتوازن، ومناصرة الحق والعدالة، وتغليب لغة الحوار والتفاهم في معالجة كافة القضايا. وأكسبت هذه السياسة المتوازنة المستمرة دولة الإمارات العربية المتحدة احتراماً واسعاً على المستويين الإقليمي والدولي.
وبفضل سموه اكتسبت دولة الإمارات سمعة دولية في العمل الإنساني والخيري من خلال دعمه عدد من القضايا الإنسانية في جميع أنحاء العالم، وهو النهج الذي لا زال قادة الدولة يسيرون عليه حتى يومنا هذا.
انتقل سموه رحمه الله إلى جوار ربه في الثاني من نوفمبر عام 2004 في أواخر الثمانينات من عمره، تاركاً قدوة ومثالاً يحتذى في العطاء والخير، واستحق لقب الوالد، فكان الأب والأخ والصديق لكل مواطن ومقيم على أرض دولة الإمارات، وفتح ذراعيه للجميع دون استثناء. وشكلت سياسته وحكمته منهجاً لدولة الإمارات العربية المتحدة إلى يومنا هذا.