المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم
الاسم الكامل: الشيخ راشد بن سعيد بن مكتوم بن حشر بن مكتوم بن بطي بن سهيل آل مكتوم الفلاسي
مدة الحكم: 32 سنة
الولادة: 1912 م
الوفاة: 1990 م
الولادة والنشأة
اختلفت المصادر في تحديد سنة ولادة المغفرو له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وعلى الأرجح أنه ولد عام 1912م، نشأ في منطقة الشندغة بإمارة دبي في كنف والده الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم المعروف بالتقوى والحكمة وسعة الصدر ورجاحة العقل. والدته هي الشيخة حصة بنت المر بن حريز الفلاسي المعروفة بـ (أم دبي) كانت لها مكانة خاصة في قلوب أهل دبي، عُرفت بقوة تحملها وإرادتها العالية وطموحها واشتهرت بكرمها وحبها للخير ومدّ يد العون لكل محتاج، كان تأثير الشيخة حصة واضحاً في شخصية ابنها الشيخ راشد.
التعليم
تلقى الشيخ راشد دراسته الأولى في الكتاتيب حيث كانت المنطقة حينها تفتقر وجود المدارس النظامية، وتعلم أصول الفقه الإسلامي واللغة العربية، وعند بداية الدراسة النظامية وافتتاح المدرسة الأحمدية كان الشيخ راشد من أوائل الطلبة الملتحقين بها، ومنذ صغره اتصف بنضجه وفكره السابق لعصره، وعُرف بأنه شابٌّ مثابرٌ ومحبٌّ للبحث والاطلاع.
الهوايات
ومن أهم هواياته رحمه الله الصيد بالصقور، وركوب الهجن، والخيل، والرماية.
السمات
شكلت العفوية والبساطة أبرز سمات شخصية المغفور له بإذن الله الشيخ راشد، التي امتاز بها عن كثير من الزعماء الآخرين، وكان بسيطاً في مأكله وملبسه ومركبه وقيامه وقعوده، وكان الأجانب يستغربون وجود قائد، له سمعته واسمه بهذه البساطة والعفوية، علاوة على ذلك كان صاحب رؤية ثاقبة أسهمت في رسم ملامح إمارة دبي الحديثة، وكانت اللبنة الأساسية في انتقال دبي إلى قلب المدن العالمية الأكثر تطوراً.
يذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن والده قوله: "إنني أبني ميناء راشد، لأنه يمكن أن يأتي يوم لا تقدرون على بنائه"، لم يفكر أحد قبل والدي في تنفيذ مشروع كهذا، ولكن والدي فكر فيه، ونفذه فكيف اهتدى إليه؟! هذا السؤال لا أعرف جواباً مختصراً له، لكن لو حصرت إجابتي بكلمة واحدة لقلت إنها الرؤية".
البدايات
انخرط الشيخ راشد في العمل السياسي منذ صغره كونه الولد الأول للشيخ سعيد رحمه الله، إذ اعتاد على أن يحضر مجلس أبيه وكان يبدي اهتماماً بالغاً بما يدور في المجلس، ويصغي لكل الآراء والأفكار التي يطرحها الحضور. وكان لا يتردد في أن يمضي مع والده ساعات طوالاً يسألهم عن كل الأحداث والوقائع التي يشهدها أو تتناهى لمسمعه، يتحاور معهم ويستأنس برأيهم.
وفي سن الثامنة عشر اضطلع بشكل لافت على تفاصيل حكم إمارة دبي أثناء حياة والده الشيخ سعيد الذي عهد إليه بتصريف كثير من الأمور الهامة منذ عام 1938.
نهج
حرص الشيخ راشد خلال فترة حكمه على العمل وفق نهج دقيق ومنظم ومتفرد، لمتابعة الأعمال والمشاريع، ضمن جدول يومي، حيث كان يقوم بجولتين في مدينة دبي يومياً يتابع فيهما المشاريع، ويتابع بنفسه أدق التفاصيل لأي مشروع قيد التنفيذ.
وكانت هذه الجولات فرصة للالتقاء بعامة الناس عن قرب، والاستماع إليهم وتلبية مطالبهم، وبعد عودته من جولاته اليومية كان يمضي كثيراً من الوقت في أعماله الرسمية، من خلال مجلسه الذي يتيح الفرصة للناس للالتقاء به، حيث يشاركهم قضاياهم، ويصغي لمطالبهم، ويعمل على تلبيتها.
وأولى الشيخ راشد، رحمه الله، مجلسه اهتماماً كبيراً، وحظي بإعجاب الجميع لما تحلى به من حلم وصبر، إذ كان يصغي لكل رأي أو مظلمة، ضامناً للجميع أفضل الحلول للقضايا والمشكلات وموفراً المساعدة لكل فرد، وكان المجلس يضم أشخاصاً من جنسيات متعددة، وفر لهم قاعدة للحوار البناء، ورجالاً يعتد برأيهم.
المسؤولية
ارتبط الشيخ راشد بمجلس أبيه واستفاد منه الكثير؛ إذ تعلم كيفية إدارة المنطقة وتسيير أمورها وكان مطّلعاً على كل ما يحدث في هذا المجلس ليتعرّف أمور الحكم ويتدرّب على تحمل المسؤولية من بعد والده.
وقد عُيّن الشيخ راشد ولياً للعهد عام 1939م وساند والده في تسيير شؤون المنطقة، وأثبت جدارته في تحمل المسؤولية.
رؤية
امتلك المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد رؤية استشرفت المستقبل والتخطيط له، أسهمت في بناء النهضة الشاملة للدولة، سواء كان ذلك بالنسبة لرقي وتطوير إمارة دبي، أو فيما يتعلق بالمسيرة الاتحادية، التي كان أحد أبرز أقطابها، وكان تخطيطه مثاراً للإعجاب والدهشة، وكان الشيخ راشد يملك القدرة على اختيار الوقت المناسب لتنفيذ عمل ما، فلم ينفذ أية خطة من خطط التنمية بكل أشكالها، إلا واختار لها الوقت المناسب، يشجع كل مجتهد ومخلص ومتفانٍ على مرأى ومسمع من الناس، مما أعطى المسؤولين حافزاً للمثابرة، والحماس في أداء المهام المنوطة بهم، فتمخض عن هذه الرؤية مسيرة تنموية متميزة تعد سر نجاح إمارة دبي وتألقها، فبفضل فكره المتوهج والطموح والمتجدد أضحت إمارة دبي دانة الدنيا، وارتبطت رحلة دبي نحو التطور والازدهار بعلاقة مميزة مع الشيخ راشد، الذي يعتبر إحدى العلامات القيادية الفارقة في التاريخ العربي.
النهوض بدبي
استطاع أن ينهض بدبي من أزمات اقتصادية كثيرة أهمها أزمة انهيار تجارة اللؤلؤ والحصار البحري الذي فرضته بريطانيا على موانئ الخليج العربي بعد الحرب العالمية الثانية.
إمارة دبي
تولى حكم إمارة دبي عام 1958م، وامتدت سنوات حكمه اثنين وثلاثين عاماً، تطورت فيها دبي ونمت نموًّا سريعاً في كل المجالات.
بعد وفاة والده الشيخ سعيد بن مكتوم عام 1958م انتقل الشيخ راشد بن سعيد مع عائلته للإقامة في قصره بمنطقة زعبيل، وعمل منذ توليه الحكم لتثبيت مركز دبي التجاري، لاسيما أن عوائد البترول حينها كانت لا تفي بالتزامات الإمارة، فاهتم بالأسواق ودعم التجار وشجّع الاستثمار التجاري في الإمارة وخطّط لآفاق بعيدة ورؤى مستقبلية لمدينة دبي، واهتم أيضاً بإنشاء الدوائر التي تقدّم خدماتها للسكان وتساهم في تطوير الإمارة كالبلدية والأراضي، والشرطة والجمارك، والمحاكم والكهرباء والمياه، وغيرها من الدوائر.
الاتحاد
وكان اتحاد الإمارات لبنة من لبنات أفكار الشيخ راشد العظام، التي امتزجت بطموحات أخيه المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعملا يداً بيد في بناء الدولة، وتدعيم الاتحاد، ودفع عجلة التقدم والتنمية، وتحقيق الرخاء للمواطنين، وتحقيق حلم الاتحاد.
ويعد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، من الشخصيات المؤثرة في دولة الإمارات، إذ توافقت رؤيته مع رؤية إخوانه حكام الإمارات، في ضرورة قيام اتحاد بين الإمارات، التي تجمعها سمات مشتركة، تمثلت بوحدة التاريخ والجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد والملامح السياسية، وعمل مع رفيق دربه، المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانهما حكام الإمارات على تأسيس الدولة، وفي الـ 10 من يوليو 1971 وجه الشيخ راشد دعوة من أجل المضي قدماً على طريق الاتحاد، واستمر في الدفع نحو الاتحاد حتى أعلن عنه رسمياً في الثاني من ديسمبر 1971.
حيث تولى منصب نائب رئيس الدولة، إضافة إلى رئاسة مجلس الوزراء. وتم تسخير الإمكانات جميعها لبناء الدولة وتوفير الحياة الكريمة لمواطنيها بتعاون صادق وعزيمة قوية في مسيرة البناء والتنمية، فعم الخير أرجاء الإمارات كافة، وساندهم في ذلك شعب مخلص وثق بقيادته الحكيمة، وإخلاصها ورؤاها الثاقبة.
مدرسة عريقة
ويعد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، شخصية ملهمة ومؤثرة، وأيقونة للمجد، وعنواناً للنجاح، وقدوة عظيمة للأجيال، ومدرسة عريقة، يستلهم منها فنون التطوير والبناء، وترسيخ نهضة الوطن. قال عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتابه "قصتي": "دروس راشد بن سعيد لا تنتهي. كان مدرسة، وكان معلماً، وكان حاكماً، وكان أباً للجميع".
وقال أيضاً في الكتاب: "تعلمت من راشد، منذ نعومة أظفاري، أن القائد هو الشخص الأكثر نشاطاً، والأقدر على تنفيذ المشاريع بكل كفاءة، تعلمت من راشد أن كل درهم في دبي له قيمة كبرى، ولا يتم صرفه إلا في مكانه الصحيح. ثقافة الحكم، التي رسخها راشد بن سعيد هي ثقافة تقوم على صرف المال بحكمة، والابتعاد عن التبذير الحكومي، أياً كان شكله".
وفاته
في السابع من أكتوبر عام 1990 رحل الشيخ راشد رحمه الله تاركاً خلفه منهجاً واسعاً للتخطيط والتنفيذ ليتابع من بعده تطوير المدينة وتنفيذ مشاريعها.
ولقد تناقلت جميع إذاعات العالم خبر وفاة الشيخ راشد رحمه الله وتلقت مدينة دبي الحزينة لفقدان حاكمها المحبوب التعزية والمواساة بفقدان هذا الحاكم المتفرد في عطائه وإنجازاته.
كان لرحيل الشيخ راشد رحمه الله أثر بالغ في الأوساط العالمية فاق كثيراً خبر ولادته إذ ان إنجازاته جعلت منه شخصاً تحتفي به كل الأوساط العالمية وإنجازاته تلك هي التي قادت مدينة دبي نحو أعلى درجات التطور.
ميلاد ونشأة الشيخ راشد
تختلف المصادر حول تاريخ ميلاد المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، لكن من المرجح أنه ولد عام 1912، حيث نشأ وترعرع في منطقة الشندغة في دبي على يد والده الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، طيب الله ثراه، الذي عرف بطيبته، وحكمته وصبره ورجاحة عقله ونفاذ بصيرته. نشأ الشيخ راشد وهو يراقب السياسات الحكيمة لوالده الشيخ سعيد من خلال مواظبته على حضور مجلس الحاكم، حيث تشرب رؤية والده الحكيمة وديمقراطيته التي تجلت باتباعه لمنهج الشورى أثناء فترة حكمه للمنطقة، هذا المنهج النابع من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ومن التقاليد البدوية الأصيلة التي تمتع بها الشيخ سعيد وحافظ عليها طوال فترة حكمه. كما كان لوالدة الشيخ راشد، الشيخة حصة بنت المر بن حريز الفلاسي والتي كانت تعرف ب"أم دبي"، دوراً كبيراً في تنشئة الشيخ راشد وفي صقل شخصيته وإعداده لحكم الإمارة.
تلقى الشيخ راشد تعليمه الأساسي في الكتاتيب، حيث لم تتوفر مدارس نظامية في دبي آنذاك، وهناك تعلم اللغة العربية وأصول الفقه الإسلامي، وبمجرد بدء التعليم النظامي في الإمارة، التحق الشيخ راشد بمدرسة الأحمدية فور افتتاحها ليكون من أوائل الطلاب الذين التحقوا بها.
تمتع الشيخ راشد منذ فتوته المبكرة بالنضج وبطريقة التفكير التي تسبق عصره، فعُرف كشابٍ مهذبٍ، و ناضجٍ وذو عقلية متفتحة، كما عُرف بشغفه بمجموعة من الهوايات كالصيد بالصقور وركوب الخيل والجمال، إضافة للرماية بالبندقية.
البدايات الأولى
استفاد الشيخ راشد من حضور مجلس والده الشيخ سعيد بشكلٍ كبير، حيث تعلم كيفية إدارة العلاقات الاجتماعية والسياسية للإمارة، كما كان مواكباً لكل ما يدور من أحداث وإجراءات من حوله، ما ساعده على التعرف على كيفية إدارة الحكومة وعلى تحمل مسؤولياتها من بعد والده. وفي عام 1939 تمت تسميته ولياً لعهد دبي، حيث أعان والده على إدارة شؤون المنطقة وأثبت قدرته على تولي المسؤوليات الملقاة على عاتقه، عندما تمكن من إنقاذ دبي من عدة أزمات اقتصادية مرت بها، بسبب تراجع تجارة اللؤلؤ والحصار البحري الذي فرضته بريطانيا العظمى على الخليج العربي بعد الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1958 تولى الشيخ راشد مقاليد الحكم في إمارة دبي وامتدت فترة حكمه لها 32 عاماً شهدت خلالها الإمارة نمواً كبيراً على كافة الأصعدة وشملت شتى مناحي الحياة.
بعد أن حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها بدأت مرحلة اكتشاف النفط في إمارة دبي، وتولى الشيخ راشد، نيابة عن والده الشيخ سعيد، المباحثات مع شركات التنقيب عن النفط والتي توصل خلالها لرفع نسبة أرباح الإمارة من الاكتشافات النفطية على أراضيها إلى 50% مناصفةً مع شركات التنقيب بدلاً عن نسبة ال 20% المتعارف عليها سابقاً، وبعد عدة محاولات فاشلة للتنقيب عن النفط في البحر تم اكتشاف حقل بترول بري وسمي بحقل"فاتح" عام 1966. قام الشيخ راشد باستغلال عائدات النفط للاستثمار في البنية التحتية للإمارة، فأمر ببناء المدارس والمستشفيات والطرق التي كانت ضمن أهم أولوياته، ومن بعدها أتى دور الاتصالات الحديثة وشبكة المواصلات، كما بني في عهده مطار دبي الدولي لاستقبال كل أنواع الطائرات، ووضعت الخطط المبدئية لبناء أكبر ميناء بحري من صنع الإنسان على مستوى العالم في منطقة جبل علي.
كان الشيخ راشد منذ توليه لمقاليد الحكم في إمارة دبي، حريصاً على تحويلها إلى مركزٍ تجاري، وخاصة مع معرفته أن عائدات النفط في تلك الفترة كانت تكفي بالكاد لتلبية التزامات الإمارة، وهكذا فقد التفت الشيخ راشد لتنويع مصادر الدخل عبر تطوير الأسواق، وتقديم الدعم لرجال الأعمال، وتشجيع الاستثمار في الإمارة، واضعاً خطةً طويلة الأجل ورؤية مستقبلية لإمارة دبي. كما كان الشيخ راشد بالغ الاهتمام بإنشاء المؤسسات والدوائر الحكومية لخدمة الناس وللمساهمة في تطوير الإمارة، فأنشأ دائرة البلدية والأراضي والأملاك، والشرطة، و الجمارك، والكهرباء والمياه وغيرها من الدوائر .
باني نهضة دبي
تمتع الشيخ راشد بصفات الرجل السياسي الحكيم، حيث أقام علاقات أخوية طيبة مع بقية الحكام في منطقة الخليج، كما كان، طيب الله ثراه، اقتصاديٌ متمكن حيث تمكن بحنكته الاقتصادية من وضع حجر الأساس لبناء مدينة دبي العصرية، مع إبداء اهتمامٍ كبيرٍ بالبناء والتجارة، وخرصه البالغ على استخدام عائدات النفط لمصلحة البلاد والعباد، وخاصة مع بدء إنتاج النفط بكميات تجارية في دبي عام 1966. ولهذا السبب قام الشيخ راشد بتأسيس دائرة لشؤون النفط ومحكمة ودائرة للطيران المدني، وخضعت دبي في عهده لعمليةٍ حقيقيةٍ من التغيير الشامل. كما أمر الشيخ راشد أيضاً بالبدء بأعمال توسعة وتعميق الخور لإزالة الطمي، حيث كانت مياه الخور الضحلة تشكل خطراً على حركة الملاحة وخاصة بالنسبة للسفن الكبيرة، وهو المشروع الذي حول خور دبي لواحدٍ من أهم الموانئ التجارية والاقتصادية في المنطقة والعالم. وفي عام 1962 تم افتتاح جسر المكتوم ليصل بين ضفتي خور دبي مقلصاً الزمن الطويل الذي كان يستهلكه التنقل بين الضفتين عن طريق الدوران عبر رأس الخور.
رجل الاقتصاد الأول
مدفوعاً برؤيته المستقبلية، تمكن الشيخ راشد من تحقيق ما ظنه الكثيرون مستحيلاً، فالمشاريع التي كان أبناء المجتمع الآخرين والأجانب، يرونها مستحيلة ، كانت بالنسبة له بمثابة مجرد تحدياتٍ يمكنه مواجهتها والتغلب عليها.
في أكتوبر من عام 1972 تم افتتاح ميناء راشد الذي شكل العماد الذي قامت عليه النهضة الاقتصادية لإمارة دبي، بشكلٍ خاص، ولدولة الإمارات العربية المتحدة بشكلٍ عام. حيث قام الشيخ راشد بتشجيع الأعمال التجارية وقدم الدعم لرجال الأعمال، هذا إلى جانب تشجيع خطوط الشحن الدولي للمجيء إلى دبي، ما حول الإمارة لمركز ٍتجاري يربط بين الشرق والغرب.
كما رأي الشيخ راشد عبر نظرته المستقبلية أهمية بناء ميناءٍ صناعيٍ كجزءٍ أساسي من عملية تحويل الإمارة لمركزٍ تجاري وصناعي هام، لذا قام شخصياً باختيار جبل علي كموقعٍ لبناء الميناء الضخم الجديد، بل إنه وضع الخطوط العريضة للمشروع قبل أن ينخرط أحد من مستشاريه في عملية تخطيط، وتمويل وبدء الأعمال الإنشائية لهذا المشروع الضخم، الذي سيصبح فيما بعد أحد أهم وأكبر الموانئ العالمية.
فرض اهتمام الشيخ راشد بكافة تفاصيل المشاريع التي يتم تنفيذها على أرض الإمارة، جدولاً يومياً صارماً عليه، إذ كان يقوم يومياً بعمل جولتين تفقدتين ليرى بنفسه التقدم الحاصل على تلك المشاريع، ولم يكن يرضى بالحصول على المعلومات العامة أو الإجابات المختصرة عن المشروع، بل يسأل دوماً عن المزيد من التفاصيل الدقيقة ليكون على اطلاعٍ كاملٍ على كافة المشاريع القائمة في الإمارة.
نظرةٌ مستقبلية تتحول إلى واقع
لفت إصدار طابعٌ بريدي في دبي في نوفمبر من عام 1964 لتخليد ذكرى الإنجازات العالمية في الفضاء الخارجي، أنظار العالم للنظرة المستقبلية التي يمتلكها المغفور له بإذن الله تعالى، والد دبي، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه.
حيث أراد الشيخ راشد الاحتفاء بهذا الإنجاز المذهل فأصدر أوامره بإصدار طابع بريدي لتخليد ذكرى انطلاق رواد الفضاء الأمريكيين في رحلتهم الأولى نحو الفضاء الخارجي عام 1964 بعنوان تكريماً لرجال الفضاء ، وهو الطابع الذي لفت صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الأنظار إليه عبر تغريدة على حساب سموه على تويتر، احتفاءً بالذكرى الثانية لتأسيس وكالة الإمارات للفضاء، في إشارة بليغة لأن حلماً آخر من أحلام راشد قد تحقق على أيدي أبنائه المخلصين لتطلعاته وآماله التي سبقت عصره بعدة عقود.
السياسة الداخلية
في عام 1924 كان الشيخ راشد قد بلغ الثانية عشرة من عمره، وأصبحت ملامح شخصيته القوية واضحةً للعيان فأضفت على مظهره الهيبة والوقار، مما ساهم إلى جانب سلوكه المتواضع والمهذب في فرض تقديره واحترامه على الآخرين، خاصة مع ما اتسم به من الجدية والصراحة، والدراية والحنكة.
بعد توليه مقاليد الحكم في الإمارة، اعتاد الشيخ راشد بعد عودته من جولاته اليومية في أنحاء دبي، أن يمضي الكثير من الوقت في متابعة أعماله الرسمية، والاجتماع بمواطنيه في مجلسه مما أتاح له فرصة الالتقاء بالناس، لمعرفة همومهم وقضاياهم والعمل على حلها وللإصغاء لطلباتهم ورغباتهم. وكان الشيخ راشد يهتم بهذا المجلس اهتماماً بالغاً، وتحلى خلاله بسمات الحلم والصبر، فكان يصغي لكل رأي أو مظلمة. ضامناً للجميع أفضل الحلول للقضايا والمشكلات التي يعانون منها، وموفراً المساعدة لكل فردٍ منهم.
كان المجلس يضم أشخاصاً من جنسيات متعددة وفر لهم الشيخ راشد قاعدة للحوار البناء. وضم فيمن ضم منهم رجالاً يعتد برأيهم. حيث كانوا يقومون بدراسة المشاريع دراسةً وافية ويدققون في تفاصيلها وفي مراحل تطورها، ما يؤدي إلى زيادة فهمهم لها وللأهداف المرجوة منها. وواصل الشيخ راشد، طيب الله ثراه، البناء بكل إرادةٍ وعزم، مؤمناً إيماناً مطلقاً بكل ما يفعل وبأن حلمه الذي رفده بكل ما يملك من عزيمة لم يكن ضرباً من ضروب المستحيل.
اتفاقية الاتحاد بين إمارتي دبي وأبوظبي
بعد تولي المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لمقاليد الحكم في إمارة أبوظبي عام 1966، تشكلت لديه رؤيةً واضحة حول تشكيل اتحادٍ يعمل على تحفيز النمو في المنطقة على غرار الأمم المتقدمة، وكانت لدى المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، الذي تولى حكم إمارة دبي منذ العام 1958 نفس الرؤية. وهكذا تمت ترجمة تلك الرؤية المشتركة بين القائدين الفذين لشكلٍ من أشكال الاتحاد جمع بين إمارتي دبي وأبوظبي، بعد لقاءهما التاريخي في منطقة عرقوب السديرة على الحدود بين الإمارتين المتجاورتين وإعلان توقيع اتفاقية الاتحاد في 18 فبراير 1968.
الإعلان عن تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة
فتحت اتفاقية الاتحاد التي وقعت بين دبي وأبوظبي الباب لاتحادٍ أكثر اتساعاً تقوده الرؤية الوحدوية المشتركة بين الشيخ زايد والشيخ راشد. حيث أسفرت تلك الجهود في نهاية المطاف بعد الكثير من العمل الجاد والمباحثات والنقاشات عن إعلان ست من الإمارات المتصالحة (أبوظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، والفجيرة) عن انضوائها تحت راية الاتحاد في 18 يوليو 1971. وفي الثاني من ديسمبر عام 1971 تم الإعلان عن تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة. فيما انضمت إمارة رأس الخيمة للاتحاد في 2 ديسمبر 1972، حينما رفع المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه علم الدولة للمرة الأولى معلناً قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
أهم الإنجازات التي تم تحقيقها بعد قيام الاتحاد
افتتاح ميناء راشد عام 1972
افتتاح نفق الشندغة عام 1975
افتتاح ميناء جبل علي عام 1979
افتتاح مركز دبي التجاري العالمي عام 1978
انتهاء أعمال توسعة خور دبي وإزالة الطمي منه في بداية السبعينيات
تأسيس حوض دبي الجاف عام 1983
وفاة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم
كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن وفاة والده المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، في كتابه "قصتي... 50 قصة في خمسين عاماً" :" في العاشرة من مساء الأحد السابع من أكتوبر 1990، أسلم راشد الروح لباريها، ورحل عن الدنيا بهدوء وسلام. تصدعت برحيله الكثير من القلوب، وسالت الكثير من الدموع. لم يصدق الكثيرون أن راشد، الذي كان أباً لهم عبر أكثر من ثلاثة عقود، قد رحل. وأصعب رحيل هو رحيل الوالد."
"في نيويوك وقفت الجمعية العامة للأمم المتحدة دقيقة صمت حداداً على راشد، وتناقلت وكالات الأنباء الخبر عن وفاته بكثير من الإشادة بتجربته في بناء معجزة تنموية في دبي."
"عندما شاهدت الدموع في عيون العمال البسطاء، أدركت أن تجربة الشيخ راشد لامست قلوب الجميع، وبأن جولاته الصباحية لم تكن فقط على المشاريع، بل حتى مع البسطاء، وأن بصمته التي تركها في كل حجر وزاوية في دبي التي أشرف على بنائها بنفسه ستبقى في ذاكرة بلده وشعبه للأبد."
وقد نعى الشيخ زايد أخيه الشيخ راشد بعد وفاته قائلاً: " كان رجلاً باراً من رجالات هذا الوطن، وفارساً مغواراً من فرسانه، ورائداً من رواد وحدته وبناة حضارته، وإذا كان قد انتقل إلى مثواه الأخير فإن ذلك لايعني أن يغادر ذاكرتنا أو حياتنا، بل سيبقى- رحمه الله- خالدًا في القلوب وفي المقدمة بين الذين يزخر تاريخهم بجلائل الأعمال."